عادات وتقاليد شرب القهوة: روح الثقافة المحمومة
Image Credit: Julia Volk, Bexels
إن شرب القهوة يمثل جزءًا أساسيًا من حياة الكثيرين حول العالم. فلا يكاد يخطر ببال أحد أن يتذكر مساومة في أسواق الشرق الأوسط. أو جلسة صغيرة في غرب أوروبا. دون أن يرافقه تصوَّر للأكواب البنية الممتلئة بسوائلها المنعشة. بالإضافة إلى النكهة الممتازة التي تقدمها القهوة، فإن عادات وتقاليد شرب القهوة تنعكس أيضًا في الثقافة المحلية للشعوب. وتعكس جوهر هويتهم الفريدة.
بدءًا من دول الخليج:
يجب أن تُصَب القهوة للضيوف وقوفا. من العادات صب القهوة باليد اليسرى. وتقديم الفنجان باليد اليمنى. كذلك أيضا ألا يجلس أبدًا. حتّى ينتهي جميع الحاضرين والضيوف من شرب القهوة.
في بعض القبائل والعائلات يشترط لديهم أن تكون القهوة بالفنجان ليست مملوءة. وإنما تُصب بنصف مقدار الفنجان. لأنه إذا امتلأ وتم تقديمه للضيف تعتبر إهانة. بينما عند بعض القبائل فيشترطون أن يكون الفنجان مملوءاً بالقهوة. ويعتبرونه من الكرم.
وعند سكب القهوة وتقديمها للضّيوف، يجب أن تبدأ من اليمين. عملاً بالسّنة الشريفة. أو تبدأ بالضيف مباشرةً. إذا ما كان من كبار السّن.
وعليك أن تُكرر صب القهوة. حتّى يقول الضّيف “كفى” أو يهز فنجانه.
بلاد الشام:
حيث تشتهر دمشق بمقاهيها الأصيلة. ومشروب القهوة معروف باسم “القهوة العربية”. تعد سوريا ولبنان والأردن من أكبر المحافظين على عادات وتقاليد شرب القهوة. فخلال زيارة منازلهم، يحضرون للضيف فنجان من القهوة المحمصة الطازجة. ويتواصلون في نقاشاتهم في أجواء من الهدوء والاسترخاء.
ويحافظ أهل الشام على شرب القهوة المغليّة في كل صباح. وعادة ما تقدم القهوة مرتين للضيوف. مرّة في أول الجلسة. والأخرى في آخرها. وتعرف بقهوة “أهلاً وسهلاً” وقهوة “الله معكن”.
القهوة عند المصريين:
يحرص المصريّون بأن تُقدّم القهوة بـ”وش”. أي أن تكون القهوة أعلى الفنجان متماسكة قليلاً.
ومن العادات الطريفة في مصر أن تحضير القهوة يكون امتحاناً للعروس. إن لم تكن القهوة بـ “وش” وإن لم تحافظ عليها عند تقديمها، يحكم عليها أنها (مش ست بيت).
تركيا:
عند بعض العائلات، إذا شَرِب الضيف قهوته فذلك يعني أن حاجته مقضية. وسؤاله مجاب. واعتاد النساء على قراءة مستقبلهم في الكوب. بعد احتساء القهوة مباشرة. ويقدم كأس الماء مع القهوة. وتعود هذه العادة إلى عهد العثمانيين. حيث كان العثمانيون يقدمون الماء مع القهوة عند استقبال ضيوفهم.
ولاحتساء القهوة التركية أوقات محددة. فهي تُشرَب على العموم في الصباح والظهيرة. في زيارة الخطوبة تقدم القهوة المالحة للعريس. وعليه أن يشربها وهو مبتسم. دون أن يظهر أي نفور. وهذا يعتبر اختبار سريع. حتى يُظهر العريس للعروسة مدى التحمّل. والصبر الذي يتمتع به.
المغرب:
وللمغرب طريقتها الخاصة في تقديم القهوة. فروائح الأعشاب تكون بارزة في القهوة.
حيث يضاف إليها:
- جوز الطيب
- وعيدان القرفة
- والقرفة المطحونة والزنجبيل
ولا يجوز للكبير سناً أو الضيف تقديم القهوة. وفي حال هزّ الضيف الفنجان، فذلك يدل على عدم رغبته في شرب المزيد. أما إن قدم الفنجان كما هو الحال في دول الخليج العربي تعني “أريد المزيد”.
اليابان:
يتصدر مشروب “القهوة الساخنة” سلم الأولويات في صباحات اليابانيين. إذ يعتبر أسلوب “تقطير القهوة” المدروس ولباس المقاهي التقليدية، مع المرافقة الدقيقة للأزهار، مناسبة اجتماعية هامة. وينظر لأكواب القهوة في حفلات الشاي اليابانية على أنها تجسد الدقة. والفن. والتفاصيل الروحانية التي تميز هذا الشعب.
البلدان الأفريقية:
في المقابل، تشهد البلدان الأفريقية احتفالات القهوة المبهجة. والموسيقى الصاخبة. ففي إثيوبيا يُخيَّم طابع الخيرة. والفرح. والترحيب بالضيافة. تُستخدَم القهوة هناك كرمز للتطور الاجتماعي والروحي. ويزدان منزل عائلة العروس بزهور الليلك وموازين الموسيقى. حيث يتم تحضير القهوة التقليدية المعروفة باسم “بون” بعناية فائقة. ومن المعتقد أن عرض الضيافة بإعداد القهوة في إثيوبيا يُعتبر بمثابة رمز للحب والاحترام الأعلى.
إيطاليا:
لا يمكن أن تكتمل صورة الحضارة الإيطالية من دون القهوة. ففي بلاد البيتزا والباستا، يعد إعداد الاسبريسو بمهارة وفن أساسًا لثقافة القهوة الإيطالية. ينشأ إعداد القهوة في إيطاليا من رغبة شغوفة. رغبة لاستخلاص أفضل نكهة ممكنة من الحبوب الطازجة. وهناك طقوس حقيقية تدور حول تناول القهوة. في الصباح وبعد الظهر. في البارات الصغيرة، يقوم الإيطاليون بأخذ كوب من الاسبريسو. والوقوف به قليلًا على الكاشير. قبل استنشاق رائحته العطرية. وتذوق طعمه المميز.
عندما نتكلم عن عادات وتقاليد شرب القهوة في بعض دول العالم. فإننا نكتشف مدى التنوع الثقافي الذي يميز البشرية. عبر رحلة القهوة، يتصل الناس بماضيهم. وحاضرهم. ومستقبلهم. حيث يُشكل شرب القهوة لحظات لا تُنسى للتواصل. والتفاهم. والتقارب بين الثقافات المتنوعة في شتى أنحاء العالم.
في النهاية، تنسجم العادات والتقاليد في شرب القهوة بشكلٍ ثمين مع المجتمعات المحلية. وتعكس تاريخهم. وتراثهم. وقيمهم. إن ثقافة القهوة الفريدة لن تزول. وستظل تلهم الناس. وتربط العالم بروح من السلام والتنوع.